رحلة عبر طقوس العرس الأمازيغي السوسي: من التعارف إلى الاحتفال


   "رحلة عبر طقوس العرس الأمازيغي السوسي: من التعارف إلى الاحتفال"

العرس الأمازيغي السوسي هو جزء من التراث الثقافي الأمازيغي في منطقة سوس بالمغرب، وهي منطقة مشهورة بتاريخها العريق وثقافتها الغنية. يشتهر هذا العرس بعاداته وتقاليده الخاصة التي تعكس الطابع الفريد للمنطقة. إليك بعض المعلومات حول هذا العرس:

1.   خطوات التعارف وتبادل الهدايا

عندما يختار الشاب زوجته المستقبلية، سواء بعد رؤيتها عند البئر أو في أحد الحفلات، تواجهه أحيانًا معارضة من والدته بسبب عدم انتماء الفتاة إلى عائلة قريبة أو مرموقة. في هذه الحالة، يبذل الشاب جهدًا كبيرًا لتغيير رأي والدته، أو قد يرضخ لها ويتزوج من إحدى قريباتها. بعد التوصل إلى توافق بين الوالدين، يتفقون مع ابنهم على تقديم طلب خطبة الفتاة من عائلتها.

قبل أن تتم الخطبة، يتبادل أهل الفتاة العهود مع الشاب، حيث يلتزم أهل الفتاة بتزويج ابنتهم له، بينما يعاهد الشاب عائلة الفتاة بالزواج.

بعد مرور أسبوع على اللقاء، تقوم أم الفتاة بتحضير صحن من البسيسة وتقدمه لأم الشاب. وبعد مرور شهر، تملأ أم الشاب نفس الصحن بالتمر والقشابة والحايك واللوز. يتم تكرار هذه الهدية في كل عيد أو مناسبة، وهي عملية تُعرف بـ"أكتي" أو "التفكيرة"، وتعتبر تجديدًا للعهد والوعد بالزواج.

2.   "أسيكل" أو مرحلة الخطوبة

يبدأ التحضير للعرس عادةً بخطوبة حيث يتم تبادل الهدايا بين عائلتي العروس والعريس. قد يتضمن ذلك مراسم تقليدية مثل "التخزير" و"التكافل"، وهي عادات تعبر عن التزام العائلتين بالعلاقة الجديدة.

في ثقافة أمازيغ الجنوب المغربي، تتوزع مراحل الخطوبة على مرحلتين رئيسيتين. المرحلة الأولى تُعرف بـ"أسيكل أمزوارو"، وهي خطوة أولية يتفق فيها الأهل، حيث تكون المبادرة من جانب عائلة العريس. في هذه المرحلة، يُعلن عن "أسيكل" الذي يُحتفل به بحضور العائلتين والمدعوين، ويقوم أهل العريس بتقديم هدايا، ملابس، وأضحية.

بالمقارنة مع الماضي القريب، تغيرت طقوس الخطوبة بشكل ملحوظ. ففي السابق، كان يُمنع الشاب من حضور خطوبته أو حتى رؤية العروس. أما اليوم، فقد شهدت العقليات تحولاً نحو التحرر، وأصبحت بعض العائلات تُولي اهتمامًا خاصًا بـ"الخاتم" الذي لم يكن له أي قيمة في السابق.

الخطوبة ليست ضمانًا للزواج الرسمي، حيث يمكن لأي طرف أن يتراجع عن قراره في أي وقت. في الوقت الحالي، قد تطول فترة الخطوبة لتتجاوز السنة في بعض الحالات، خلافًا للماضي عندما كانت الخطوبة تستمر لأسابيع فقط، مع التركيز على التحضير والاستعداد للزواج. فما هي الطقوس المرتبطة بهذه المرحلة؟


3.   تقاليد الاستعداد لحفل الزفاف

  تقام مراسم الزواج في البيت أو في مكان مخصص لذلك، ويتم دعوة الأهل والأصدقاء للمشاركة في الاحتفال. قد تشمل المراسم تقديم الضيافة والتجمعات العائلية.

الاحتفالات يتميز العرس الأمازيغي السوسي بالاحتفالات التي تشمل الرقصات التقليدية مثل "أحواش" و"أحيدوس"، وهي رقصات جماعية تعكس الفرحة والتلاحم الاجتماعي. تُعزف الموسيقى الأمازيغية باستخدام آلات تقليدية مثل "البندير" و"التمبري" و"المزمار".

تبدأ التحضيرات لحفل الزفاف مباشرة بعد تحديد موعد العرس ومكانه بين عائلتي "العريس" و"العروس". في هذه المرحلة، يجتمع نساء القرية أو الدوار لتنفيذ مجموعة من المهام. يشمل ذلك تنقية الحبوب وإعداد زيت الأركان في ما يُعرف بـ«فران»، وذلك لطهي «العصيدة» أو «البسيس»، والذي سيتم تقديمه في اليوم التالي للدخلة.

4.   نحـــو ساحة العرس

يبدأ العد التنازلي للعرس الأمازيغي، الذي يستمر سبعة أيام، قبل يومين من الاحتفال. يتم ذلك مع مراسم يوم الحناء المخصصة للعروس وصديقاتها وقريباتها بعد عودتهن من الحمام. بعد ذلك، يتوجه موكب العريس المعروف بـ«اسلان» إلى منزل العروس «تسليت». هناك، يختار أهل العروس شابًا من أقاربها ليحملها على «فرس» أو «بغل»، وهي ترتدي بازارًا أبيض وعباءة صوفية، مع «شربيل أحمر» على قدميها، و«قطيب» و«حبق» على رأسها. تسير العروس في موكب يتخلله أهازيج وأغاني أمازيغية، مما يعلن بدء مراسم العرس.

5.   حفلة "تمغرا" أو العرس

عند وصول الموكب، تنزل العروس أمام منزل زوجها حيث تُقدّم لها الحليب قبل دخولها إلى البيت. في هذه اللحظة، يحملها شاب من أقاربها ويضعها في زاوية مخصصة لها في الجهة اليمنى من المنزل. بعد ذلك، يدخل نفس الشاب إلى الداخل ليزيل الوشاح عن العروس بسرعة، وإذا تأخر، قد يتعرض لضربات مفاجئة وعشوائية من النساء المحيطات بالعروس، وفقًا للتقاليد والعادات المتبعة. بعد هذه اللحظة، يبدأ الاحتفال بالغناء والرقص وتناول الطعام على إيقاع أغاني «الروايس» أو «أحواش». يستمر الاحتفال حتى وقت متأخر من الليل، وقد يكون في شكل مختلط كما في ماسة، اشتوكة أيت باها، وتزنيت، أو بشكل منفصل حيث يُفصل الرجال عن النساء كما في «حاحا» و«إدا وتنان».

6.   ليلة الدخلة أو الانفراد بالعروسة

بعد الانتهاء من تناول الطعام وشرب الشاي والدعاء، ينصرف الجميع إلى حال سبيله. يدخل العريس إلى غرفته حيث يُلقي على زوجته كمية من الملح، وفي بعض الأحيان تقوم أم العروس بهذه الخطوة. بعدها، يتبادل العروسان الحديث ويشاركان وجبة الطعام التي تم تحضيرها مسبقًا. في كثير من الأحيان، يدخل العريس إلى غرفته دون أن يكون له معرفة سابقة بالعروس، مما يضطر أهل العريس إلى الانتظار حتى وقت متأخر من الليل لتلقي أخبار الشرف. بعد ذلك، يقوم العريس بتقبيل رأس والديه ويبلغ أهل العروس بما يُعرف بـ"أبغور"، وهو إعلان عن عفة الفتاة "الحورت"، وهو أمر يُعتبر ضروريًا في المجتمع.

7.   بعد أسبوع من العرس

في هذا اليوم، تقوم أم العروس بزيارة ابنتها بعد مرور أسبوع كامل على زواجها. يقتصر الحضور على بعض النساء والأقارب الذين تم اختيارهم، حيث تجمع أم العروس ملابس ابنتها "أحمال" في أجواء من الزغاريد والاحتفالات وتبادل التهاني، وينتهي اليوم بالدعاء. كما تقوم أم العروس بكنس غرفة ابنتها وتحثها على متابعة مسؤولياتها في منزلها الجديد، مقدمةً لها بعض النصائح التي تراها مهمة لاستمرار حياتها، مثل احترام أهل العريس "إفقيرنس" والانضباط لأوامرهما.

خلاصة

العرس الأمازيغي السوسي في منطقة سوس بالمغرب يعكس تقاليد ثقافية عريقة. تبدأ مراسم العرس بتبادل العهود بين عائلتي العريس والعروس، ويُحتفل بالخطوبة عبر "أسيكل أمزوارو". التحضيرات تشمل إعداد الحبوب وزيت الأركان لطهي البسيس. في يوم العرس، تُقدّم العروس الحليب ويبدأ الاحتفال بالأهازيج والرقص، مع طقوس خاصة لإزالة الوشاح. بعد أسبوع من العرس، تقوم أم العروس بزيارة ابنتها لتقديم النصائح وتبادل التهاني.

تعليقات